رسائل الحب في زمن فات- من الورق إلى الشوق الرقمي

المؤلف: ريهام زامكه11.26.2025
رسائل الحب في زمن فات- من الورق إلى الشوق الرقمي

لقد تغنى الفنان المرهف شفيق جلال قائلاً:

«أمونه بعتلها جواب، أمونه ولا سألت فيا،

أمونه ايه الأسباب، أمونه ما تردي عليا».

(وبعدما تجاهلته أمونة تماماً) أنشد منفعلاً:

«على كيفك، على كيفك، إن شاء الله ما رديتي عليا يا أمونه».

فهل من مُبشّر يُطلعنا، هل أجابت أمونة على رسائله أم ما زالت مُعرضة؟!

يا لها من أيام خلت! في زمن لم تكن فيه "رسائل نصية" سريعة ولا هواتف ذكية متطورة ولا "واتساب" للتواصل الفوري ولا حتى شبكة اتصال ثابتة وموثوقة، كانت وسائل التواصل بين الأحبة تعتمد كلياً على نبوغهم الشخصي ومهاراتهم الفردية، وكانت الرسائل الورقية هي الطريقة الأولى والرئيسية للتعبير عن الأشواق وإيصال الكلمات الرقيقة.

كانت تلك الرسائل الورقية بمثابة "الواتساب" في زماننا هذا، بيد أن الفرق شاسع وجوهري، فهي تُخط بفيض من المشاعر القلبية المتدفقة لا بقلم جامد، وكانت عامرة بالإخلاص والصدق العاطفي، ولكن العشاق كانوا مرغمين على التحلي بالصبر والانتظار لبرهة قد تطول يومين أو حتى أسابيع، ريثما يصلهم الرد المنشود أو يطل عليهم ساعي البريد حاملاً البشرى.

وبالمناسبة؛ في تلك الأيام الخوالي، آثر عاشق متيم التعبير عن هيامه بفتاة عن طريق شن "هجوم" عاطفي كاسح عليها، مُرسلاً إليها رسائل غرامية موقعة بـ "مجهول".

واستمر أخونا الولهان على هذا المنوال لمدة ليست بالقصيرة، وتحقق مبتغاه بالفعل، وسقطت الفتاة أخيراً في شباك الحب، ولكن المفارقة أنها لم تقع في غرام مُرسل الرسائل "المجهول"، بل في غرام ساعي البريد الوسيم الذي كانت تراه يومياً وهو يسلمها الرسائل الغرامية التي بلغت 1320 رسالة على مدار عامين كاملين.

لا أملك هنا إلا أن أقول للعاشق المغبون: (بِل رسايلك واشرب مويتها)!

وفي تلك الحقبة الغابرة أيضاً، إذا ما تطور الحال وبلغ ذروته، وصل الأمر إلى المكالمات الهاتفية الشاقة، فتخيل نفسك تدخل إلى كابينة هاتف عمومية، وتضع بضعة "قطع نقدية" ثم تنتظر الإشارة الموعودة لتنصت إلى الصوت المنشود على الطرف الآخر، وأنت ومهارة حظك، فإما أن "يمسك الخط" بنجاح أو يكون الطرف الآخر "مشغولاً" أو أن يحصل تداخل غريب في الخطوط بحيث تجتمع الأصوات المتداخلة، مما يضطرك إلى التحدث عن "الأحوال الجوية" بدلاً من الأحوال العاطفية الكامنة، وذلك ريثما تنهي مكالمتك على أكمل وجه.

وإذا ما تفاقم الوضع وتطور أكثر ووصل إلى اللقاءات الشخصية الحميمة، فكانت هذه الخطوة تتطلب تخطيطاً دقيقاً مُسبقاً وترتيبات مُحكمة، حتى يتسنى للعشاق الالتقاء "من بعيد لبعيد"، فقد يعبر العاشق أمام نافذة محبوبته ويتبادلان نظرات السلام الخاطفة. أو قد يرسل لها "وردة حمراء يانعة" مع مرسول خاص كإشارة مقتضبة تعبر عن مدى حبه المتأجج.

أعتقد جازماً أن العشاق في تلك الأزمنة قد عاشوا ذكريات آسرة لا تُنسى، تعلموا خلالها الكثير عن معاني الحب الحقيقي والالتزام العاطفي الراسخ، لأنهم بكل بساطة لم يكن لديهم أي بديل آخر، وعلى الرغم من أن كل شيء كان يسير ببطء شديد وتعقيد بالغ، إلا إنهم استطعموا حلاوة الحب العذري النقي.

وبما أن العشاق مجانين في قديم الزمان وفي حاضره أيضاً؛ لا يفوتني أن أسرد لكم قصة امرأة مكسيكية مجنونة أخرى، ألقي القبض عليها بتهمة الاتصال بحبيبها السابق 77 ألف مرة، وإرسال 1973 رسالة بريدية، بالإضافة إلى 41 ألف رسالة نصية عبر الهاتف.

وهنا لا يسعني إلا أن أقول: "الله يرزقني فضاوتها"!

وعلى أية حال؛ عيشوا حياتكم بكل ما فيها، واستمتعوا بكل لحظة، وأحبوا بعضكم بكل ما أوتيتم من قوة.

فأنتم الآن تعيشون في عصر لا تحتاجون فيه إلى التسكع تحت النوافذ، ولا إلى انتظار "حمام زاجل" قد يضل طريقه في الفضاء الواسع، ولا إلى إرسال رسالة ورقية مقيدة بظروف ساعي البريد المرهقة، بل على النقيض تماماً، أنتم محظوظون للغاية، ولا يوجد أي مبرر لتتأخروا عن البوح بكلمة "أحبك" أو "اشتقت إليك".

فلا الأعاصير العاتية ستعيق وصول رسائلكم، ولا ساعي البريد سيخذلكم ويتأخر عن الموعد.

ورسالتي الأخيرة؛ إلى كل من يهمه هذا الأمر:

إن كان قلبك من لوعة الشوق (مضغوط)

فإن قلبي على رؤيتك من فرط الشوق (مندي).

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة